الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

تدوينة الشهر: تلك الأيام..



كلما طرأت أيام الطفولة  على تفكيري المزدحم  بطوابير المشكلات والضغوط والمعجون بالهموم، وكلما زاد منسوب شوقي إليها حتى يفيض، أعزي نفسي حينها بحكمة تقول:


((نحن نحب الماضي لأنه ماضٍ وحسب، ولو عاد لكرهناه))


فلا تكفي تلك الحكمة في ردع اندفاعات الشوق في خيالي، بعدما أرد على تلك العبارة قائلة:
((وهل ثمة من يكره تلك الأيام؟!))


لكنني ماألبث أن أهدأ بعد أن أتذكر أني إذا عدت إلى أيام الطفولة سأمر على الماضي كله بحلوه ومره، وقد تكون هناك مواقف مميتة ومواقف محطمة سأمر بها مرة أخرى بعد تناسيتها واستطعت الفكاك منها.
فالحل إذن أن أحتفظ بالذكرى الطيبة البيضاء العبقة برائحة السكاكر والمخلوطة بأصوات تأنيب الجارة التي كسرنا زجاج نافذتها بالكرة.
وأعيش حاضري ومستقبلي وأتخلى عن ذلك الحنين الجارح قدر تمكني.



لست بشاعرة متمكنة ولكن أحيانا عندما يبلغ تدفق المشاعر لدي الذروة تخرج لدي بعض من الكليمات الموزونة المقفاة وهي أقرب إلى المشاعر منها إلى الشعر.
القادمة نحوكم هي مشاعر تراكمت جراء الحنين أحيانا إلى تلك الأيام:
أتذكر عندما كنـــا صـــــغارا ؟
تبـــاشير الحيـــاة لنا تنــادي    
رمينــا حفنة الأحـــقاد فيـــنا
بقلــب زانـــه حــب الــرشاد
وعشـــنا منـــطقًا لايـــعتريه
ريـــاءٌ أو تمـــادٍ في الـــعناد     
وكم كنا نحاكى في الليالي
حكاياتٍ ستبقى في فؤادي
فمريم أنجبت عيسى وجاءت
بـــراءتها مـــن الــرب الجوادِ
وقيس بن الملوح ذاب عشقًا
على ليلى فهام بكـــل وادي
حكـــاياتٌ فـــريداتٌ ســمعنا
حكتها جدتي قبل الــــــرقادِ
فـــما أحلـــى ليالٍ قـــد رأينا
بها القمر المضيء لنا ينادي
الا ليت الزمان يعود ردحـــــا
فنلهو في ثرى تلك البوادي..





مواقف وقصص حصلت في تلك الأيام:


مواقف تلك الأيام لاتتسع لها تدوينتي الصغيرة. إنني أحاول الانتقاء...}

دفتر ممزق ...

خرجت من الروضة في نهاية العام فرحة بدفتر معي يحمل صوري وأنا أقوم بنشاطات ونشرة إخبارية مختصرة تحت كل صورة، لتبين للأهل شخصية تلك الطفلة..
ركضت إلى البيت الذي كان قريبًا من روضتي، وحاولت أن لا أخرج عن حدود الممشى الطيني المؤدي لمنزلنا. وصلت أخيرا إلى حينا الصغير، لا أنسى تلك اللحظة عندما كنت بين بيتنا وبيت الجيران لا أدري ما الذي أغواني لتمزيق دفتر الروضة الذي يحمل جل ذكرياتي، لم أع إلا وقد أصبح دفتري المسكين قطعا صغيرة، لا أذكر بالضبط ماحدث بعد ذلك، بلى أذكر أصوات تأنيب أمي لي ومعها جارتي التي كانت أمي في ضيافتها، كان يومًا مريرا بالنسبة لي، ولقد استخرجت أمي لي دفترا بديلا لكنه بالطبع لم يكن يشبه القديم بتاتا.



هدية المعلمة..

كان طابور صفنا الثاني الابتدائي يمشي متجها إلى الفصل حين أوقفته المعلمة للحظة أمام المقصف، لتخرج منه حاملة كيسا براقا شديد الإغراء. كان مبتغى كل فتيات الطابور، وعند وصولنا إلى الصف واستقرارنا على الكراسي، أعلنت المعلمة عن صاحبة الهدية، كانت أنا. فرحت، واشرأبت جميع الأعناق تجاهي مما أشعرني بالخجل مشوبا بنكهة الانتصار.
خرجت من المدرسة ونظرات الغبطة من زميلاتي تشيعني وكنت أمسك بالهدية كعالم يمسك بجائزة عالمية جراء بحث أفنى عمره لملأ صفحاته.
كانت الهدية سلسلة من اللؤلؤ صناعي ومعها قرط انيق يشبهها. وبالصدفة كانت هناك حفلة عشاء في بيت جيراننا في مساء ذلك اليوم، فلبست فيها ذلك الطقم الذي جعلني كأميرة في العشرين.



السقوط..

عندما كنت أشاهد التلفاز في الطابق الثاني من منزلنا سمعت أختي تقول:
لقد قرر أبي أن يأخذ أمي إلى السوق، وكانت أمي قد طلبت منه مرارا ولكنه رفض.
وكانت أمي عندها في الطابق السفلي تعد الغداء، فلم أسأل اختي عن مصدر معلومتها ومدى مصداقيتها، بل أخذت أركض نحو السلم المؤدي للأسفل لأزف لأمي البشرى.
مر علي مثل الخيال صورة أبي معلقة  في الهواء بخلفية زرقاء ممزوجة باللون الرمادي وصدى صوتي يتكرر
((أمي ..أبي سيأخذنا إلى السوق))
فتحت عيني بكسل وأنا على الفراش. وسمعت أمي تقول وهي تتحدث إلى الهاتف:
((لقد سقطت المسكينة من الدرج..ولم تفق حتى الان))


ذكريات حلوة..

من أحلى الذكريات التي مرت كنسمة هواء في حياتي وأنا طفلة هي الخرافات اللذيذة التي كانت أمي وجدتي تتناوبان على قصها علينا إما للتخويف أو للطمأنة. وأبرز الخرافات التي أطلقنها هي خرافة العجوز التي تأكل الأطفال وقت الظهيرة إذا خرجوا للشارع ، ويهدفن من ورائها إلى تخويفنا من الخروج في هذا الوقت خوفا علينا من ضربات الشمس.
وكل ليلة عيد كنا أنا وأمي وأخواتي وجدتي نحني أيدينا(نضع عليها الحناء) وكانت امي تضع في ايدينا دائرة صغيرة من الحناء ونقوم بدورنا بقبض أيدينا وكأننا في ملاكمة حتى يأخذ الحناء لونه، احيانا كنا نعطش ولا نستطيع شرب الماء بسبب الحناء الذي نضعه كلنا فتقول أمي لنا، أرقدن الان وستأتي(الغزيل) لتسقيكم الماء وأنتن نائمات.. والغزيل جنية طيبة تسقي الأطفال حسب الخرافة.
ومن المستحيل أن أنسى جدتي وهي تغني كل ليلة عيد، أثناء طقوس الحناء تلك الأرجوزة:

حنَا بنات البدو يازين حنَانا
وبيوتنا الخيمة يازين مبناها
واذا نزلنا للشرف كلن تمنانا

ألعابنا:

بعيدا عن البلاي شتيشن والجيم بوي، كنا نسرح في ملكوت أفنية منازلنا وساحات مدارسنا، نرسم بالطباشير على الأرض مربعات الأرقام ونقفز عليها بقدم واحدة، وكذلك نقفز على الحبل، نتحلق في دائرة ونشدو: (فتحي يا وردة..غمضي ياوردة)..نلعب لعبة الاختباء الأثيرة علي، ولا أنسى لعبة شرطي حرامي، وحادي بادي، عرائس باربي، ودمى ميكي ماوس، والكيرم، والأونو، وأدوات المطبخ التي كنا نرتبها كالنساء وندعوا عليها رفيقاتنا، تلك الأساور الملونة السحرية، وما أحلى القفز تحت المطر وتلك الصحون المعدنية التي كنا نعبأها بمائه... ألعابنا كثيرة جدا ، ولم نكن نمل لكثرتها وتنوعها.

نهاية المطااااف......}
  
هنا توقف حنيني الجارح، وانسحب تفكيري إلى هموم الكبار التي لا تنتهي، لا أريد تذكر المزيد من تلك الأيام، لأنها لن تتكرر أبدا.. ولن تعود مستحيل، وحتى أطفال اليوم لن يعيشوا كما عشنا، على البساطة، لا نعرف تسلية سوى التلفزيون العتيق والأتاري الأثري والألعاب الورقية والحركية..
وهنا أطلب من كل شخص قرأ ما سبق، أن يشاركني ذلك الحنين، ويكتب أبرز موقف حصل له في تلك الأيام.. عيشوا للحظة في عوالم الحنين وعودوا بآلة الزمن إلى تلك الأعوام...











ِ





هناك 13 تعليقًا:

  1. مدونة جميلة ومواضيع رائعة جدا
    اتمنى لكم التوفيق والسداد
    صديقتكم الجديدة هيا

    ردحذف
  2. أهلا بمن زارنا وطل علينا وأنارنا..

    مرحبا بك أيتها الصديقة (هيا)

    شعور الفخر خالجني بقراءتك لكلماتي

    ردحذف
  3. باستطاعتكم ارسال تجاربكم على شكل تعليقات وسيتم جمعها ونشرها في موضوع مستقل

    تحياتي

    ردحذف
  4. بدأت اقرأ حكاية الحرف مؤخرًا
    رآقت لي بعض العبارات

    اتمنى ان تقبلي تواجدي
    وتتقبلي معه نقدي - إن وجد -

    استمري = )

    ردحذف
  5. مدونة رائعة وكلام جميل ومجموعة من الصور الجميلة جدا ..

    ردحذف

  6. اشكرك علي هذا المجهود الرائع وننتظر المزيد منك انشاءالله
    وشكرا

    ردحذف
  7. مدونة ممتازة ورائعة شكرا لك وبالتوفيق ...

    ردحذف
  8. مدونه جميله وائعه

    ردحذف
  9. كل الشكر والامتنان على روعهـ بوحـكـ
    ..
    وروعهـ مانــثرت .. وجماليهـ طرحكـ
    ..

    ردحذف
  10. دائما متميز في الانتقاء
    سلمت على روعه طرحك
    نترقب المزيد من جديدك الرائع
    دمت ودام لنا روعه مواضيعك

    لكـ خالص احترامي

    ردحذف
  11. موضوع في قمة الخيااال
    طرحت فابدعت
    دمت ودام عطائك
    ودائما بأنتظار جديدك الشيق
    لك خالص حبي وأشواقي
    سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا
    اعذب التحايا لك

    لكـ خالص احترامي

    ردحذف
  12. من أنفاس لا تهدأ .. يبدأ الحديث
    وحين يعلم أنه إليكِ ..
    يلبس حلة القصيد .. وصوت النغم
    إليك أكتب .. واصابعي ترقص على لوحة المفاتيح
    تعلم انها تكتب لكِ ..
    إليكِ أكتب ..
    فلا تتركي القلم يتعذب ...
    أعجبتني من أجلك سأحضر
    القمـــر على كفي
    وسأزرع الورد على خــــــــدي
    سأهديك طفولتـــــــي
    وأرقيك بشبابــــي.
    كذاك كان موضوعك
    لكـ خالص احترامي

    ردحذف

أترك تعليقك